أصدر القضاء الإسرائيلي في أواخر أكتوبر 2003 حكمًا بالسجن 1584 عامًا(16 مؤبدًا) على الفلسطينية "أحلام عارف التميمي" (23 عامًا)، بتهمة المشاركة في عملية أسفرت عن مقتل 16 إسرائيليًّا، وجاء في نص الحكم "أن المتهمة كانت شريكة في العملية، بل إنها بادرت إلى اتخاذ خطوات فعّالة في العملية، وإنها فرحت بعد معرفة النتائج القاسية التي أسفرت عنها العملية، وهذا دليل آخر على انزلاقها إلى أدنى المستويات الإنسانية". وقال القضاة في نص الحكم: "إنها امرأة تصرفت بوعي تام ناجم عن رغبة شديدة في سفك دماء الإسرائيليين، ليس لشيء وإنما لكونهم إسرائيليين فقط"!.
ابتسامتي لن تزول
عقب النطق بالحكم وقفت أحلام لتقول للقضاة: "إن 16 قتيلاً هو عدد قليل نسبيًّا مقارنة بالعدد الكبير ممن قتلتموهم.. وسأشاهدكم وأنتم في جهنم، إن شاء الله إن الابتسامة المرسومة على وجهي لن تزول"، وأضافت أنها لا تعترف بشرعية هذه المحكمة التي تصدر الأحكام على المناضلين الفلسطينيين.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلية قد قامت باعتقال أحلام بتاريخ 14-9-2001، وقدمت للمحاكمة بتاريخ 23-10-2003، حيث طالبت النيابة المحكمة برفع توصية إلى قيادة جيش الاحتلال بعدم إدراج "أحلام" في أية صفقة تبادل أسرى في المستقبل، وطالبت بإبقائها داخل السجن حتى الموت.
يقول "محمد التميمي" شقيق الأسيرة أحلام: "وقفت أحلام بعد أن سمح لها بالحديث بعد أن قرأت آية قرآنية تحث على الجهاد، وقالت: أنا لا أريد أن أعرفكم على نفسي باسمي أو عمري أو حلمي، أنا أعرفكم على نفسي بأفعالي التي تعرفونها جيدًا في هذه المحكمة.. وأنا أرى في عيون كل الجالسين بالمحكمة الغضب وأنا مبسوطة، ليش؟".. وأضافت بلهجة عامية فلسطينية "الغضب اللي في وجوهكم وعيونكم هو نفس الغضب اللي في قلبي وفي قلب كل الشعب الفلسطيني وهو أكبر من غضبكم.. 16 قتيلاً و122 جريحًا هذا رقم قليل مقابل الأعداد اللي قتلوا بسببكم... وإذا أنتم بتقولوا ما عندي قلب وإحساس فمن إذن عنده قلب، أنتم؟، إذا ابتحكوا ما عندي قلب ولا إحساس، وين كان قلبكم لمن قتلتوا الأطفال والنساء في جنين ورفح ورام الله والحرم الإبراهيمي، وين القلب وين الإحساس..."، وتابعت "وإذا عقابي في جهنم مثل ما تقول أيها المدعي.. لن نلتقي هناك، أنا سأنظر إليكم وأنتم في جهنم بأفعالي التي عشتموها ولمستوها في حياتكم، أفعالي التي حرقت قلوبكم، وذهبت بكم إلى الجحيم...".
وأضافت "أنا اسمي أحلام، وسأبقى كذلك حتى أحقق حلم شعبي الفلسطيني في التخلص منكم على هذه الأرض إن شاء الله، وسأبقى في السجن لأحرق قلوبكم، وعندما أموت سأذهب إلى الجنة.. أما أنتم فستذهبون إلى النار، وسأراكم وأنتم تحرقون فيها".
ميلاد المقاومة
ولدت الأسيرة "أحلام عارف التميمي" في 20-10-1980 في مدينة الزرقاء الأردنية لعائلة فلسطينية كبيرة تعود جذورها لقرية النبي صالح قضاء رام الله.
تلقت أحلام تعليمها الابتدائي في مدرسة (بلقيس) بالزرقاء، والإعدادي والثانوي بمدرسة الأميرة رحمة الثانوية للبنات بالزرقاء، واشتهرت بتفوقها الكبير، حيث كانت معدلاتها الدراسية لا تقل عن نسبة الـ90%.
وعقب إتمامها للدراسة الثانوية عادت أحلام لأرض الوطن، والتحقت بجامعة بير زيت قضاء رام الله لتدرس الصحافة والإعلام، ودرست فيها ثلاثة أعوام ونصف، وبقي لتخرجها 21 ساعة دراسية معتمدة.
ومع انطلاق انتفاضة الأقصى نهاية سبتمبر 2000، شاركت أحلام في الانتفاضة من خلال عملها في الصحافة، حيث كانت تُعِدّ وتقدم برنامجًا إخباريًّا بتلفزيون محلي خاص برام الله يدعى (الاستقلال) اسمه "حصاد الأسبوع" كانت تحاول من خلاله فضح جرائم الاحتلال، ودفع الشعب الفلسطيني لتصعيد المقاومة.
لم تكتفِ أحلام بذلك حيث اشتهرت بأنها كانت تقوم برشق جنود الاحتلال بالحجارة على حواجز الاحتلال مع طلاب الجامعة.. وكثيرًا ما كان الصحافيون يخبرون شقيقها (محمد) بذلك، والذي كان يحاول ثنيها عن ذلك من باب خوفه عليها.. إلا أنها كانت ترفض الاستجابة لطلبه.
إيلام العدو
ومع تصاعد جرائم الاحتلال الوحشية بحق الشعب الفلسطيني، وقتله للمئات من الأبرياء والأطفال، وإهلاكه للحرث والنسل.. قررت أحلام أن تضاعف جهدها المقاوم، وأن تبحث عن وسيلة أخرى أكثر نجاحًا في إيلام العدو المغتصب.
في هذه الأثناء التقت أحلام بزميلها في قسم الصحافة "وائل دغلس" العضو في كتائب القسام الذي وجد فيها شخصية مناسبة تتمتع بكل الصفات التي تؤهلها لكي تعمل في الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.. وبعد أن استشار "وائل" قادته في الجهاز، قام بتنظيمها لتكون بذلك أول فتاة تلتحق بالقسام.
ويؤكد شقيقها "محمد" أن التحاق شقيقته بحماس كان مفاجئًا له، فقد كانت أحلام عضوة فاعلة في حركة فتح، منوهًا في ذات الوقت أن أحلام كانت منذ صغرها تتمنى العودة لفلسطين؛ من أجل أن تناضل في سبيل قضيتها الوطنية.. ويضيف "كانت دائمًا تردد: أريد أن أرجع إلى فلسطين وأستشهد هناك".
الجيتارة أيضًا تقتل
كانت المهمة الرئيسية لأحلام هي توصيل الاستشهاديين إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وقامت بأول عملية لها بتاريخ 27-7-2001، حينما تجولت بالقدس الغربية من أجل العثور على مكان مناسب لوضع قنبلة فيه، وزارت لهذا الأمر "سوبر ماركت يدعى "كو أوب" في شارع كنج جورج الشهير بالقدس الغربية.
وقام نشطاء القسام "عبد الله وبلال البرغوثي" بتزويدها بقنبلة وضعت داخل علبة (بيرة) بتاريح 30-7-2001، وفي نفس اليوم توجهت أحلام إلى السوبر ماركت وفي حقيبتها العبوة، وفي الداخل وضعتها على رف عبوات العصير، وحوالي الساعة الواحدة ظهرًا انفجرت العبوة وأسفرت عن إلحاق أضرار دون إصابات.
وبعد عملية السوبر ماركت خطّط المهندس "عبد الله البرغوثي" قائد القسام في الضفة الغربية لتنفيذ عملية استشهادية كبرى بمساعدة أحلام، وقام بتجهيز عبوة كبيرة زرعها داخل "جيتارة" وضعت داخل حقيبة أحلام التميمي.
وتقرر أن يكون الاستشهادي الشاب "عز الدين سهيل المصري" من مدينة نابلس، وبتاريخ 8-8-2001 خرجت أحلام في جولة إلى القدس لتحديد موقع مناسب للعملية في سيارتها، وخلال جولتها اقتنعت أحلام بأن بالإمكان إخراج الاستشهادي من رام الله إلى القدس وتنفيذ العملية.
وبتاريخ 9-8-2001 خرجت أحلام مع المصري لتنفيذ الهجوم، وفي القدس طلبت أحلام من المصري وضع الجيتارة على كتفه وأرشدته حتى مفترق كنج جورج - شارع يافا الذي يعج بالإسرائيليين، وطلبت منه تفجير نفسه في المفترق لإلحاق أكبر الإصابات، كما أعلمته أنه يستطيع أن يحدد هدفًا آخر في نفس الشارع إن أراد.
لكن المصري دخل مطعم "سبارو" للبيتزا الواقع على المفترق وفجر الجيتارة هناك حيث قتل 16 إسرائيليًّا، وقامت أحلام بالرجوع في سيارتها إلى مدينة رام الله.
إضراب عن الطعام
ومنذ اعتقالها بداية عام 2002 تعرضت الأسيرة "أحلام التميمي" لقمع شديد من قبل سلطات السجون الإسرائيلية دفعها إلى الإضراب عن الطعام في معتقل المسكوبية لمدة تزيد عن الشهر، وذلك في شهر 8-2002 في المسكوبية.
وكان قد فرض عقاب بالعزل في معتقل المسكوبية على الأسيرة أحلام التميمي بعد نقلها من معتقل الرملة للنساء على إثر شروع الأسيرات في إضراب عن الطعام بعد حالة قمع واسعة جرت بحقهن.
وقالت الأسيرة أحلام وقتها للمحامين: إنها تطالب بإخراجها من زنزانتها وإعادتها إلى السجن، وقد تدهور وضعها الصحي حيث هبط السكري معها إلى 35 درجة، وتعاني من خدران في أصابع يديها وقدميها وتعاني من آلام في الحرارة.. وشكت أحلام بأن طبيب المعتقل لا يقدم لها العلاج وهددها طبيب معتقل المسكوبية إذا لم تتوقف عن الإضراب فسيتم إجبارها بالقوة على تناوله