فيصل البعداني
انتشرت الصحوة الإسلامية المباركة في عصرنا، وأصبحت نتائجها ظاهرة لكل أحد، ولعل من بعض ثمارها المباركة عودة كثير من شباب الأمة إلى القرآن الكريم قراءة وحفظاً، ونظراً لسلوك كثير من أولئك مسلكاً غير مـنهجي أثناء مرحلة الحفظ، مما يؤدي إلى سوء الحفظ سواء أكان ذلك من حيث النطق أو الاستـيـعاب لكامل ما يحفظ، أو استقرار الحفظ وثباته في الذهن، بالإضافة إلى عدم مواصلة الكثـيـر منهم للحفظ والتوقف بعد ابتداء المشوار، أو حتى عدم الابتداء من الأصل مع وجود رغبة صادقة، وحرص أكيد للتشرف بحفظ القرآن الكريم. ولقد بادرت في كتابة هذه السطور علـهـــا أن تفـيــــد الراغبين في حفظ كتاب الله الكريم، وقد حاولت الاستفادة من أصحاب الخبرة في هذا المجـــال رجاء أن يكون الطرح أكثر فائدة وواقعية، وقد قمت بتقسيم الموضوع إلى ثلاثة أقسام كالتالي:
أولاً : ما ينبغي فعله لمن أراد حفظ القرآن الكريم قبل أن يحفظ.
ثانياً : خطوات عملية مقترحة لحفظ القرآن الكريم.
ثالثاً : ما يفعله الحافظ بعد أن يحفظ.
وإليك قارئي الكريم التفصيل والبيان :
ما ينبغي فعله لمن أراد حفظ القرآن الكريم قبل أن يحفظ :
1- الإخلاص لله تعالى:
لا يخفى أن الإخلاص وإرادة وجه الله تعالى شرط لصحة العمل وقـبـولــــه إن كان عبادياً محضاً كالصلاة والصيام والطواف..الخ، كما أنه شرط للثواب ونيل الأجر في الأمور المباحة كالأكل والشرب وحسن المعاشرة للناس... الخ. وبما أن قراءة القرآن وحـفـظـه مـــن الأمور العبادية المحضة فإنها لا تقبل عند الله تعالى إلا بالإخلاص، وهي داخلة في مـثـل قـوله تعالى ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً))(1)، وقـولـــه تعالى في الحديث القدسي (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)(2).
2- استشعار عظمة القرآن الكريم ومعرفة منزلته :
ومن الأمور التي تحقق ذلك :
* تذكر أن القرآن كلام الله تعالى ((فَأجرْه حتى يسمع كلام الله))(3) وعظمته مأخوذة من عظمة الله، ولا أعظم من الله، وبالتالي فلا أعظم ولا أقدس من كلامه سبحانه.
* إدراك الأمر الذى نزل من أجله القــرآن، وهو هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ((ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين))(4)، ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان))(5).
* من عظمة القرآن عظمة الشهر الذي أنزل فيه القرآن (شهر رمضان)، فهو أفضل الشهور، وعظمة الليلة التي أنزل فيها القرآن (ليلة القدر)، فهي خير الليالي، وعظمة الرسول الذي أنزل عـلـيــه الـقـــرآن فهو إمام الأنبياء والمرسلين وسيد ولد آدم ولا فخر، وعظمة معلمه ومتعلمه حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان أفضليتهما (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(6) , وفي رواية (إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)(7).
* وصف الله تعالى لـــه بالعظمة في مثل قوله تعالى ((ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم)(
، ويكفي هذا في بيان مقدار عظمته وجلاله.
3- إدراك فضل أهل القرآن وعظم ثوابهم :
وقد جاء بيان ذلك في كثير من النصوص ومنها :
* ما رواه عمر رضي الله عـنـــه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)(9).
* ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله بـــه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول »ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(10).
* عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في الصفة فقال: أيكم يحــب أن يـغــــدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين (11) في غير إثم ولا قطع رحم , فقلنا : يا رسول الله، نحب ذلك، قال : أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلِّم أو يقــرأ آيـتـيـن من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل) (12).
* عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) (13).
* عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها)(14).
* عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)(15).
* عن عائشة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران)(16).
* عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريــح لــهـــا، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مر)(17).
4- معرفة أن الشارع قد حث على قراءة القرآن والاستماع إليه في نصوص منها:
(أ) في القراءة :
قوله تعالى ((إن الذين يتلون كتاب الله وأقـامـــوا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور))(18)، وقوله -صلى الله عليه وسلم- (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)(19).
(ب) في الاستماع :
قوله تعالى ((وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون))(19). قال الليث بن سعد: (يقال ما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مستمع الـقـــرآن لقوله تعالى ((وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون))، ولعل من الله واجبة)(20).
5- إدراك من أراد الحفظ الهدف من قراءة القرآن وحفظه :
ويمكن أن يحصل ذلك عن طريق استشعار الأمور التالية :
* ما يقع من تحصيل الأجور العظيمة الواردة في النصوص، ومنها ما سبق بيانه.
* قراءة لتنفيذ الأوامر وتطبيق التعاليم الواردة فى الآيات.
* قراءة التصورات الصحيحة الصائبة حيث أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد لتصوراتنا لقوله تعالى ((ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شىء))(21).
6- التنبه إلى سهولة القرآن لمن اراد حفظه :
لقــوله تعالى ((ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر))(22)، قال القرطبي - رحمه الله تعالى - عن هذه الآية »أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه فيعان عليه«(23).
7- ضرورة وجود العزيمة الصادقة :
وذلك عند الابتداء في الحفظ والاستمرار على ذلـك، إذ بدونـهـــا يخور العبد ويتهاون ولا يتجاوز الأمر كونه مجرد أمنية وحلم يقظة، ويمكن أن يوجد الإنسان هذه العزيمة الصادقة بمعـرفـتــــه لعظمة القرآن ومكانة أهله، والفضل الجزيل لقارئه ومستمعه إذ أن النصوص الواردة في ذلك تحث المسلم وتدفعه بشدة إلى تكوين رغبة جادة في قرارة نفسه على الحفظ والمواصلة.
8- التقليل من المشاغل والاكتفاء بالحفظ وبذل الجهد في ذلك :
قال الله تعالى ((والـــذين جاهدوا فينا لَنهديَنَهُم سُبُلَنَا)) (24)، ومعروف أنه من سار على الدرب وصل، ومن جد وجد، ومن زرع حصد،
ومما يعرفه الناس عن النملة أنها تحاول الرقي إلى مـكـــان مرتفع وقد تفشل في الوصول إلى غايتها وتسقط، ولكنها لا تكل أو تمل وتبذل جهداً مضاعفاً إلى أن يتكلل جهدها بالنجاح، وهذا هو ما ينبغي فعله لمن أراد حفظ القرآن.
9- تفريغ وقت يومي للحفظ :
سواء أكان ذلك بعد الفجر أو بعد العصر أو بعد المغرب... إلخ، كل حسب ما يناسبه. وكون مكان الحفظ في المسجد أولى لـقـوله -صلى الله عليه وسلم- فـي الحديث الذي سبق (... أفلا يغدو أحدكــــم إلى المسجد)(12)، ومعلوم أن الجو في المـسـجد مهيأ لهذا الأمر، وغيره ليس مثله. وكونه مع مجمــوعة أفضل لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم الـسـكـيـنـة وغشيتهم الرحمة وحفتهم المــلائكة وذكرهم الله فيمن عنده)(25)، ولأن الجماعة عنصر مساعد ومشجع والإنسان قد يصاب بكسل وفتور فتدفعه الجماعة إلى المواصلة، ولذا قيل (الصاحب ساحب).
10- اختيار شيخ مجيد للتلقي عليه :
ولذا قرر أهل العلم أنه لا يصح التعويل في قراءة القرآن الكريم على الـمصاحف وحدها بل لابد من التلقي على حافظ متقن متلق عن شيخ، ولذا قال سليمان بن موسى »كان يقال : لا تأخذوا القرآن من الصحفيين« (26)، وقال سعيد التنوخي »كان يقال : لا تحملوا العلم عن صحفي ولا تأخذوا القرآن عن مصحـفــــي« (27)، ولكون قراءة القرآن مـبـناها على التلقي والسماع جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول : (والله لقد أخذت من في رسول الله بضعاً وسبعين سورة)« (28)، وذكر ابن حجر في الفتح بيان كيفية أخذ عبد الله لبقية القرآن فقال : ( زاد عاصم عن بدر عن عـبـــد الله : »وأخـــذت بـقــيــــة الـقـــرآن عـن أصحابه«)(29)، ولأهمية التلقي في تعلم القرآن نجد أن بعض الصحابة كانوا يوجـهـــون طلابهم إلى ضرورة التلقي عن المتلقي، فعن معد يكرب قال : »أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علـيـنـا : طـسـم الـمائتين فقال : ما هي معي ولكن عليكم مَن اخذها من رسول الله -صلى الله عـلـيـه وسـلــم- خباب بن الأرت قـال : فـأتـيـنـا خباب بـن الأرت فـقـرأهــا علينا« (30)، بل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعارض جبريل بالقرآن كل عام مرة وعام وفاته مرتين (31)، وكان يأمر أصحابه بالتلقي فيقول (اقرأوا القرآن من أربعة نفر : من ابن أم عبد ومن أبي بن كعب ومن سالم مولى أبي حذيفة ومن معاذ بن جبل)(32).
11- اختيار مصحف معين في الحفظ حتى ترسخ مواضع الآيات في الذهن ولا يكون هناك تشتت..
12- الحـرص على الابتداء في الحفظ من آخر المصحف وبخاصة صغير الـســن أو ضعيف العزيمة، حتى يشعر أنه قد أنجز شيئاً في فترة وجيزة، حيث أن السور أكثر عـــدداً وأقل صعوبة ولديه خلفية عنها عن طريق مقررات القرآن في المدارس النظامية.
13- دعـــاء الله تعالى بالتوفيق والتمكين من الحفظ واللجوء إليه في ذلك لأن حفظ القرآن الكريم منة من الله وهبة.
منقول