بسم الله الرحمان الرحيم
في هذا اليوم المشهود يوم الجمعة نودع شهر ماي، هذا الشهر الذي حظي عند الغرب باهتمام إذ يتضمن أكثر الأيام العالمية دون غيره من الشهور، هذه الأيام التي جعلوها أعيادا، فهذا عيد الشغل، والذي هو عيد العمال، والذي يحتفل به في كل فاتح ماي من كل سنة في العالم كله. وهذا عيد الأم الذي عينوا له يوما في الشهر كذلك. وهذا اليوم العالمي بدون تدخين. فهل سأل أحد منكم نفسه فقال : من الذي وضع هذه الأيام، وحدد تاريخها، وجعلها عيدا ويوما عالميا؟ وما السبب في وضعها؟ وهل كان المسلمون الأوائل في القرون المفضلة التي كان الإسلام في زهرته، يحتفلون بهذه الأيام أم لا؟ وهل يدل عدم احتفالهم بها على عدم اهتمامهم بالعمال، والأم، وجسم الإنسان أم ماذا؟
أسئلة عديدة تراود كل فرد مؤمن ذكرا كان أو أنثى يريد لأمته حياة سعيدة، وسكينة في النفس وطمأنينة في القلب، وراحة في البال. إن الذي أنشأ الاحتفال بهذه الأيام وحدد تاريخها، وجعلها عيدا ويوما عالميا، هو الغرب الكافر المتحكم في رقابنا. هذا الغرب الذي ندين له، ونخضع لتعاليمه، ونتأسى بأفعاله، ونجعله قدوتنا في كل حركاته وسكناته، بل إن الشرف ليحصل لنا ونحن نقلده في أفعاله وعاداته وتقاليده وأحكامه.
بلغت أمتي من الذل حدا فاق في سوئه جميع الحدود
فلقد أصبحت تجر خطاها مثقلات في ذلة وكن
خلف كلِّ الورى تجرب ما قد جربوه من طارف وتليد
بعد أن كانت العزيزة صارت رمز ذل وأمة التشريد
عبث الطامعون في كل شبر من ثراها حتى كلاب اليهود
وغدا جندها الأشاوس جندا للشياطين في جميع البنود
بعضهم يتبع النصارى وبعض يتبع المنكرين للمعبود
إن الدافع الرئيسي في إنشاء هذه الأيام وغيرها من الأيام العالمية، والاحتفال بها، هو نتيجة الظلم الممارس على هذه الفئات أو الأجناس. إذ لولا الظلم الذي أحس به العامل من قبل أرباب العمل، والذي بلغ درجة الانفجار، ما خرج في الشوارع يطالب بحقه المسلوب، ولولا ملاحظة الظلم الممارس علىالأم، ما جعل لها يوما عالميا، وهي التي حملت، وتعبت وسهرت. ولولا الظلم الذي مورس على المرأة وذلك باستعبادها ما خصص لها يوم تحتفل فيه كل سنة. هذا اليوم الذي يعتبر كمتنفس لها، ولولا ظلمنا للطبيعة ما خصص لها يوم سمي باليوم العالمي للبيئة، ولولا الظلم الذي لحق أجسادنا بسبب السجارة سواء كنا من المدخنين أو من الذين يجالسون المدخنين، فيلحقهم ضرر، ما جعلنا يوما عالميا دون تدخين، بل إن الظلم الذي لحق هذه المخلوقات تمخض عنه إنشاء جمعيات تريد إرجاع الاعتبار لها، وجل هذه الجمعيات كذلك، أنشأها الغرب.
فهل يا ترى سيتحقق العدل، بهذه الطرق التي أنشأها الغرب أم لا؟ هل سينصف العامل ويأخذ حقه، وتنصف المرأة، وتنصف الأم، وتنصف الطبيعة، وينصف الجسم أم ماذا؟، إن استحسان العدل الذي هو التوسط والاستقامة وعدم الميل إلى أحد الجانبين، واستقباح الظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه وتحويله عن موقعه. أمران مغروزان في فطرة البشر، وقد أصبحوا على اختلاف أديانهم وأجناسهم يعتقدون أن العدل أساس العمران، وأن الظلم مؤذن بالخراب.
ورغم هذا الاعتقاد فإنه يصعب العمل به لأن ذلك يحتاج إلى ميزان دقيق لا هوى فيه، زلا عواطف، ولا ميول فمهما كنا مثاليين فلن نستطيع تحقيق العدل في أنفسنا وفي مجتمعنا، في غياب أحكام الله عز وجل، قال الله تعالى في سورة الحديد : (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلَم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوي عزيز) آية 24. هذه هي الأحكام التي ستسعد البشرية، لأن واضعها لا ينتمي إلى طبقة دون طبقة، أو إلى جنس دون جنس آخر، هذه الأحكام التي لا هوى فيها ولا عاطفة، لأنها من عند العدل الحكم، الذي قال سبحانه وتعالى في حديث قدسي : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا…) هذه الأحكام التي لا تميل إلى فئة دون أخرى وإنما تنظر إلى كل الفئات نظرة عادلة. وكيف لا تكون هذه الأحكام عادلة وواضعها سبحانه وتعالى يعلم خبايا الأشياء وحقائقها، قال تعالى في سورة الملك : (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) آية 14.
إننا نخاطب المقلدين للغرب لنقول لهم : إن الكفار لحد الآن مازالوا لا يتعاملون مع المرأة على أساس أنها إنسان حي فلا نخدع بتقبيلهم يدها فإن ذلك ليس تكريما لها وإنما هو إرضاء لشهوة الرجل بدليل أنه يقبل يد الشابة الحسناء ويحترمها، في حين يهمل من يجب تقبيل يدها بل رجلها وهي الأم التي يهجرونها في دور العجزة، فتتركها البنت ويتركها الابن، إن الكفار أصحاب الشهوات والهوى، يزينون للمرأة الضعيفة الخروج من بيتها بدعوى مشاركة الرجل في العمل، والحقيقة أنهم لا يريدون بذلك إلا التمتع بها وأن لا تغيب عنهم طرفة عين. في المدرسة والإدارة والمتجر والمقهى والشارع والحافلة والأعراس والحفلات وفي كل مكان. بل إن ظلمهم لها جعلهم ينفرونها من البيت وتربية الأبناء ويحببوا لها المال والأجرة والحلي، ويزهدونها في ملازمة أبنائها. انظروا إلى هذا الظلم، وهذه الوحشية التي يمارسها الرجال من الكفار على الأنثى ونحاول تقليدهم في هذه الوحشية التي لا نجدها حتى عند الحيوان الذي تعكف فيه الأنثى على تربية صغارها، ويتجه الذكر للعمل الذي خلق له ! انظروا إلى الحيوانات كيف تنشأ سليمة، لأن كلا من الذكر والأنثى يؤديان دورهما الخاص بهما، دون خلط في المهمات. بينما الإنسان المكرم، سيد الكون ! الذي ميزه الله عز وجل بالعقل على سائر المخلوقات، واستخلفه في الأرض كيف انساق وراء شهواته، وأطاع هواه، وعطل عقله، فهضم حق المرأة وحرمها من حنان الأمومة، وتركت أبناءها للخادم. حتى أصبحت أسمى أمانيها بعدما ذاقت أنواع المحن والاضطرابات النفسية هو الرجوع إلى تربية أبنائها والاستقرار قي بيتها.
لينظر كل واحد منا إلى الواقع، أليس هو حقل التجارب؟ فهو المكذب أو المصدق لما نقول هل المرأة في سلم العمل، كلما ارتقت تمنت مزيدا من عمل، أو كلما ارتقت وتقدم بها السن تمنت لو أنها أصبحت ربة بيت؟ اسمعوا إلى الجواب من فم عميدة كلية أمريكية، وأستاذة من كبريات الأساتذة وهما ينصحان الطالبات : يجب أن تتركن تلك الشعارات وتعدن لحياتكن الطبيعية، فإن أجمل أوقات المرأة هي مناجاة طفل… وأشهى ثمرة تقطفها هي تربية أجيال… لقد حصلنا على أكبر مركز تتوق إليه المرأة بل والرجل في هذه الحياة، وأكبر رصيد تتخيله بنات حواء من السمعة والمال والجاه، لكن ذلك كله خال من السعادة الحقيقية للمرأة.
فيا من يعلمون أن سعادة الفرد والأمة لا يكون إلا في شريعة الإسلام. ما سبب ظهور جيل من الشباب التائه الضائع، المحطم الأعصاب، المبلبل الأفكار، القلق النفس، في الغرب؟ ما سبب الانحراف في كل ألوانه؟ أليس هذا بسبب تخلي المرأة عن تربية أبنائها؟ إن الإحصاءات تثبت أن هذا الشباب الضائع من الذكور والإناث هم ابناء العاملات والموظفات الذين عانوا من إرهاق أمهاتهم وهم في بطونهن، ثم تعرضوا لإهمالهن بعد أن وضعنهم.
ما أعدلك يا رب! ها هن الأمهات يعاقبن من قبل أبنائهن، وذلك بإهمالهن وهجرهن وعقوقهن، كيف نطالب الابن بطاعة أمه وهو لم ينعم بحنانها، ولم يتلق تربية سليمة؟ كيف نطلب الصلاح من شبابنا وهم لم يروا النموذج في أمهاتهم اللواتي أهملن دورهن إما بالعمل خارج المنزل أو بالاشتغال بالتافه من شؤون الحياة ؟!
هل تعلمون أننا نريد بناء أمة تسود العالم، وتنشر العدل الذي تتشوق إليه البشرية جمعاء، إن هذا لن يتأتى إلا بإصلاح الخلية الأولى من المجتمع، وبالأخص إصلاح المرأة، التي ستصبح أما. فيا أيتها الأخت المؤمنة، يا من ستصبحين أما في يوم من الأيام، ويا أيتها الأم المؤمنة، انظري إلى الإيمان عندما يملأ قلب المرأة، كيف يحس الزوج بالسعادة والسكن في البيت، ويؤدي دوره على أحسن وجه، وكيف يتربى جيل صالح من الشباب والشواب نعول عليه بعد الله في إصلاح العباد والبلاد، لا جيلا يضيع وقته في اللهو والمجون، ويهلك جسمه بالسجائر والمخدرات لأن الأم جاهلة لدينها، وغافلة عن أحكام شريعتها. إن الإيمان عندما يملأ قلب الأم فإنها تستطيع فعل العجائب التي يذهل عن وصفها الواصفون. اسمعوا إلى الخنساء وهي كنموذج للأمهات الصالحات ماذا قالت لأبنائها حين أرادوا الخروج لحضور موقعة القادسية قرب الكوفة. قالت لهم: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، فاعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). فإذ رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فيمموا وطيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة (أي إذا رأيتم الحرب قد اشتدت فاقصدوا المكان الأكثر اشتدادا). انظروا إلى هذه المرأة التي أكرمها الله بالإسلام لم تخف أبناءها من الحرب، ولم تمنعهم من ولوج المعركة، ولم تقل لهم : ليذهب البعض منكم ويبقى الآخرون ولم تقل لهم : يكفيكم الصلاة وأركان الإسلام الأخرى، ولم تقل لهم : ابقوا معي إن أردتم رضاي! وهكذا أراد الله استشهاد أبنائها الأربعة في هذه المعركة، فقتلوا في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله.
هل بكت الخنساء على فقدان أبنائها؟ وهل ندمت على عملها؟، اسمعوا واسمعن يا إماء الله، يا أيتها الأخوات والأمهات ماذا قالت هذه المرأة المؤمنة :"الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة". ما أحوجنا لمثل هذه النسوة اللواتي أصبح همهن هو رضى الله عز وجل وإعلاء كلمة الله، وبذل كل نفس ونفيس لتحقيق ذلك. ما أحوجنا إلى نساء يرعين ابناءهن منذ الصغر، ولا يتركن الأمر للخادمة. ما أحوجنا إلى نساء يأمرن الأبناء والبنات بالصلاة منذ سبع سنين، ويعودن بناتهن على الحجاب منذ الصبا قال تعالى في سورة النساء (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) الآية 34، فيا أيتها المؤمنات، إن إصلاح هذا الشباب وهذه الشواب متوقف عليكن، متوقف على التزامكن بدين الإسلام.
والله الذي لا إله غيره، لو صلحت نساؤنالصلح مجتمعنا فلا تستر الأم مناكر ابنها وبنتها على أبيهم، ولا تعطي المال لابنها ليشتري السجائر، وهو ما زال في ريعان شبابه، حتى إذا كبر وتأخر في السن، ولحقه الضرر من هذه السجائر، اصبح يوجه اللوم للأم أولا، التي أطلقت له العنان، وسترت عنه الفضائح.
(يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) سورة التحريم آية 6، ويا أيها الأباء أقلعوا عن التدخين : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) سورة النساء آية 29، وكونوا قدوة حسنة لأبنائكم فلا ينظروا منكم إلا خيرا، ولا تتركوا التدخين لأنه مضر بالجسد، أو مضيعة للنقود، ولكن اتركوه بنية أن الله حرمه لكونه من الخبائث، والحق عز وجل يقول في محكم كتابه : (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) سورة الأعراف آية 157، وبهذه النية سيعينكم الله عز وجل، قال تعالى : (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا) سورة الأنفال آية 70.
ويا من يجتمعون على استنشاق السعوط (التنفيحة)، اعلموا أن الله سيحاسبكم على عملكم، فإن الله عز وجل قال في محكم كتابه (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) سورة التين آية 4، وإنك يا عبد الله بعملك هذا تفسد ذلك التقويم الحسن الذي خلقك عليه ربك، وإياك ومجالسة هؤلاء الأشخاص، حتى لا تصبح مثلهم، وإذا فعلت فانههم عن ذلك المنكر، وإلا فأنت مثلهم، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرص أيها المؤمنون، اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، لا تظلموا أنفسكم ولا تظلموا غيركم، وتذكروا يوم الحساب، يوم تتطاير الصحف (ولا يسأل حميم حميما) سورة المعارج آية 10، يوم يقول الجبار عز وجل للمظلوم تقدم، ويقول للظالم لا تتكلم، يوم لا تقبل من أحد معذرة.
فيا شارب التنباك ما أجراكا من ذا الذي شربه أفتاكا
أتظن أن شرابه مستعذب أم هل تظن بأن فيه غذاكا
هل فيه نفع ظاهر لك يا فتى كلا فلا فيه سوى إيذاكا
إن كنت شهما فاجتنبه ولا تكن في شربه مستتبعا لهواكا
تأليف : بن سالم با هشام
إعداد : إيمان شراف
www.site-bahacham.c.la